تتمة الخيانة جزء2
صفحة 1 من اصل 1
تتمة الخيانة جزء2
جدة – القاهرة – غزة (لها أون لاين)
الخيانة الإلكترونية .. كيف ولماذا؟
تابعنا في القسم الأول من هذا التحقيق، تعريفاً عن ظاهرة الخيانة الزوجية عن طريق الإنترنت، والأسباب التي تدفع البعض للوقوع في هذا الخطأ، ودرجة انتشار هذه الظاهرة، فضلاً عن قصص واقعية وقعت للبعض، أدت في بعض الحالات إلى الطلاق.
فما هو الرأي الشرعي والاجتماعي لهذه الظاهرة؟ وماالعواقب الاجتماعية والاقتصادية لهذه الظاهرة؟ وكيف يمكن التغلّب عليها؟
الرأي الشرعي للخيانة الزوجية:
أقرت الشريعة الإسلامية مبادئ السمو بالأخلاق، وأمرت المسلمين بالابتعاد عن كل ما يمكن أن يكون سبباً في الانحراف الأخلاقي أو الديني، وقدمت مبادئ درء المفاسد على جلب المصالح، يقول الله سبحانه وتعالى {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}.
يرى الدكتور سلمان الداية (الأستاذ المساعد في كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية بغزة) أن الخيانة الالكترونية التي تختلف وسائلها هي ليست جريمة واحدة بل عدة جرائم في آن واحد، فمشاهدة الصور والنظر إليها وهو ممنوع وحرام، قد يدفع إلى ارتكاب محرمات أخرى وهو الطلب من الزوج أو الزوجة ممارسة الشذوذ المحظور! أو الوقوع في المعاصي أو الزنا أو غيرها.
ويضيف الدكتور الداية بالقول: "يجب أن يعلم المقدم على هذا الفعل أنه حرام ومعرفة الإنسان بحرمة الفعل من شأنها أن تزجره عن فعله، أيضاً إذا علم الإنسان أن الله جل وعلا من خلال سنته الكونية يجازي الإنسان ويعامله على جنس عمله، فالذي يتجرأ على أعراض الناس ربما ابتلاه الله من جنس صنيعه، فيجد من يتجرأ على عرضه، فإن ذلك يزجره وربما يزجره في مرحلة ما أكثر من خشيته من الله سبحانه وتعالى". وتابع بالقول: "إذا استحضر المرء أنه كما يخون سيبتلى بمثل ما يصنع وفقاً للسنة الكونية، وأن الغير يخونه في عرضه هذا يمثل له زاجر.. وإذا علم المرء أن صنيعه يجعل حياته من جهة العافية والطمأنينة والهناءة والمال والرزق، فإن المعصية تؤثر في العافية وتؤثر في هدوء الإنسان وطمأنينته وتضيق الرزق".
من جهتها، تقول الداعية الإسلامية الدكتورة ملكة زرار (المستشارة في قضايا الأحوال الشخصية) عن الخيانة عبر الإنترنت والتي قد تصل إلى حد الزنا عبر الإنترنت: "إن الخيانة الالكترونية زنا يحاسب الشرع عليه؛ لأنه يؤدي بالإنسان إلى ما يؤدي به الزنا الواقعي"، معتبرة هذا النوع من الخيانة يوجب الطلاق.
وأضافت، أن هذا النوع من الزنا يدخل في باب الزنا الحكمي، وإن لم يكن هناك التقاء جسدي ولابد أن يواجه مرتكبوها العقاب الشرعي وأن يكون القانون متوافقاً مع الشرع في العقاب.
وقارنت الدكتورة ملكة زرار، بين معاقبة الدولة للفعل الفاضح في الوقت الذي لا يوجد فيه تشريع لمعاقبة من يرتكب فعل فاضح وخيانة إلكترونية، معتبرة ذلك قصور في التشريع القانوني لمجابهة هذه الجرائم.
وأنهت كلامها، بأن الموقف الشرعي واضح من قضية الخيانة الالكترونية التي بدأت تظهر الفترة الأخيرة في المجتمع، وأدت إلى انشقاقات في كثير من الأسر وأدت إلى حالات طلاق كثيرة.
المجتمع.. المتضرر الأكبر:
قد تكون المشكلة الكبيرة التي تحدث بسبب الخيانة الإلكترونية، أنه لا يقتصر أذاها على الشخص المرتكب لهذه الخيانة فقط، بل هناك طرف آخر في الإطار الزوجي، فضلاً عن أطراف أخرى تتعلم من المخطئين، قد يمارسون نفس الخطأ، لذلك فإن المتضرر الأكبر في النهاية هو المجتمع الذي يسير باتجاه "المعصية والخطأ" بخطوات أوسع مع كل ظهور جديد للتقنية.
تقول الأخصائية الاجتماعية الأستاذة أمل مليباري: "عواقب الخيانة الإلكترونية كثيرة ووخيمة، منها: تلاشي القدوة الحسنة، ففي الوقت الذي يجب أن يكون الوالدان قدوة حسنة لأبنائهما؛ يضربان أسوء مثل عندما يكتشف أحد الأبناء خيانة أحد أبويه، وهما أكثر الناس أثراً وتأثيراً في نفسية الأبناء! فمن الواجب على الوالدين تهذيب أنفسهما وكبح جماح رغباتهما وشهواتهما رغم المغريات المحيطة بحكم تطور التكنولوجيا في سبيل تربية أبنائهم تربية صالحة، فيكونوا أكثر استقامة وخلقا من أجل أنفسهم ومن أجل أبنائهم، وحتى لا تحدث خلافات بسبب الخيانة تؤدي إلى الطلاق وضياع الأولاد وشتاتهم".
وتضيف أنه من عواقب الخيانة الإلكترونية أيضاً "تضييع حقوق الآخرين، إذ يكفى أن الخيانة تضييع لحق الطرف الآخر الزوج أو الزوجة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت)، فإن الاستمتاع بالاتصال الإلكتروني قد يكون وراء الساعات الطويلة التي يجلسها الزوج أمام شاشة الكمبيوتر، وقد يضيع الرجل عمله، والمرأة واجباتها من أجل الجلوس أمام الكمبيوتر وهو ما يضيع حق الطرف الآخر من حقوق، كذلك الجلوس أمام هذا الجهاز له مضار نفسية واجتماعية وعقلية أهمها القلق والاضطراب النفسي طوال الوقت خشية أن يكتشف الطرف الآخر علاقاته الغير شرعية؛ مما يؤدي إلى الثورة لأتفه الأسباب، وإثارة المشاكل بلا داع والتبرم من الحياة وما فيها".
أضرار اقتصادية أيضاً:
أما أميرة أحمد باهميم (استشارية أسرية بجمعية الشقائق) فتقول عن الخيانة الالكترونية: "إن الخيانة موضوع خطير، وآفة اجتماعية جديدة لأن بها درجة كبيرة من الخفاء والسهولة في التواصل والتساهل في لوم الذات، وهي متنفس قد يلجأ له الزوج أو الزوجة في حال الفشل في تحقيق تواصل جيد مع الطرف الأخر أو لمجرد الهروب من مشكلة، أو واقع أليم، وقد تكون أحيانا لمجرد المتعة والرغبة في التجربة والتنوع أو حتى تقليد الآخرين".
وتضيف بالقول: "تكمن خطورة الخيانة الالكترونية في أنها يمكن أن تحقق إشباع عاطفي وجنسي يغري بالاستمرار؛ لأنها مرتبطة بالخيال، ويعيش الشخص من خلالها دور يرغب فيه ولا يجده في حياته الحقيقية ولذلك كثيراً ما نجد الشخص الممارس للخيانة الالكترونية محبط ومنعزل اجتماعياً".
يبدو أن مشكلة الخيانة الإلكترونية لا تقتصر على ظهور آثار سلبية اجتماعية ودينية فقط، بل قد ينتج عنها آثار سلبية اقتصادية، إذ يقول الخبير الاقتصادي عماد العطر: " يتوافر على شبكة الإنترنت الكثير من المواقعالفاضحة يصل عددها إلى أكثر من 70000 موقع جنسي وتزيد هذه المواقع بالمئات يومياً؛ لأنها تحقق ربحا قدره بليون دولار سنويا على أقل تقدير".
وأرجع العطر سبب انتشارها إلى ما تتميز به من سرعة التأثير على المجتمع، وهو ما يحقق أغراض ومطامع الدول الغير الإسلامية والتي تبيح الجنس الغير شرعي، وبذلك تكون حققت ربحا ماديا وأثرت على كيان المجتمعات الإسلامية والعربية المحافظة عن طريق غزوها فكريا.
هل من حل؟
لكل مشكلة في المجتمع، حلول يمكن اللجوء إليها لتقليل المشكلة أو حلّها، يقدّمها أهل الاختصاص كل في مجاله، ومن هذه الحلول التي يجب الاسترشاد بها، والعمل بها للحد من هذه الظاهرة، قبل أن تتحول إلى كابوس حقيقي يشيع في المجتمع كله، ما تقدمه الدكتورة سامية خضر (أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس) والتي تقول: "إن غياب الوازع الديني، واتباع الهوى و الشيطان تؤدي لفكرة الانحراف سواء كان ذلك إلكترونياً أو حقيقياً على أرض الواقع، كما أن انتشار غرف الشات ومقاهي الإنترنت ساد على ذلك بشكل كبير".
وطالبت، بوجود حماية لمتصفحي الإنترنت وأن تكون هذه الحماية مشمولة من الدولة بحيث لا يترك الشباب من الجنسيين إلى الهاوية فيصيبهم ما أصاب غيرهم من المجتمعات المنحلة.
وأكدت، على أن الدافع الحقيقي للخيانة يعود لعدم الالتزام بالأوامر الربانية مما يستلزم ذلك دعوة للتربية، سواء كان ذلك من خلال مناهج دراسية كالتعليم أو من خلال الأسرة.
فيما يقول الخبير الاقتصادي عماد العطر: "للأسف لا يمكن للحكومات حظر جميع المواقع الإلكترونية الأجنبية، وهي تحتاج لجهد فردي ودولي كبير جداً؛ حتى يمكن الضغط على الشركات التي تروج لمثل هذه المواقع المخلة بالآداب، أما المواقع العربية بمجرد التبليغ عنها لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات يمكن حجب الموقع وإيقافه".
الاستشارية أميرة أحمد باهميم تقول: " إن من خطوات المعالجة: استحضار عظمة الله، والخوف منه لدى الفرد، ونشر الوعي الديني بخطورة هذا الأمر وحرمته في المجتمع وتحصين النفس عن الحرام بالطرق المشروعة كذلك يجب حل الخلافات الزوجية بطرق صحيحة والحرص على التواصل الجيد وتحقيق إشباع عاطفي بين الزوجين وأخيرا السعي لتحقيق الذات وإثباتها على أرض الواقع".
أما الدكتور سلمان الداية فيرى أنه يجب على الحكومات العربية والإسلامية تصفية أو فلترة المواقع الإلكترونية الإباحية، وعلى هذه الحكومات أن تعلم أن الخراب إذا أدرك الأسر، فإنه بسرعة البرق يدرك المجتمعات، فيعم الفساد في كل مكان مما يشمل الحياة بكل نواحيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسلوكية الأدبية والأخلاقية السيئة؛ سبب إعطاب جميع مناحي الحياة كما أن الحسنة هي البلسم لجميع مناحي الحياة.
أهمية التركيز على الجانب الشرعي:
ويؤكد هذا الرأي المهندس سامر ياغي الذي يقول " من الحلول لمواجهة هذا الظاهرة أن الأصل لمنع هذه الأمور هو وجود رقابة الأخلاق والتربية فهما أهم عنصرين يحكموا أي شخص"، مشيراً إلى أنه، ورغم التوسع في عمليات الفلترة والمراقبة "إلا أن البعد التربوي والاجتماعي هو الذي يحكم، ثم يأتي بعد ذلك أهمية وجود فلتر حكومي على مستوى الدولة، مثل ما حدث في السعودية إذ من الصعب بعض الشيء الدخول للمواقع الإباحية، إذ إن نسبة 95% من المواقع فقط تتم فلترتها وهذا لا يكفي لوحده ".
ويعود ياغي ليؤكد أن هذا وحده لا يكفي، فالمهم أن نبدأ بنشر التوعية في المدارس؛ لأن موضوع التربية هو الأساس، و يجب أن يكون هناك اهتمام على مستوى المناهج والمدارس ومستوى المؤسسة التعليمة لتوجيه وحماية المقبل على الانترنت.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة الأقصى بغزة الدكتور درداح الشاعر، يؤكد على الجانب الشرعي لقضية الخيانة الإلكترونية، معتبراً أن الحل يجب أن ينطلق من هذا الجانب، ويقول: "إن ما يمنع الرجل والمرأة من الخيانة الإلكترونية الضمير فإذا ما تحرى إحداهما ضميره؛ فإنه لا يلجأ لمثل تلك الأفعال حتى ولو على سبيل المتعة وأضاف :" أن تلك المتاعب النفسية التي تبرز لدى الخائن؛ ترتبط بإحساس الإنسان بوخز الضمير، إذا كان هذا الرجل ليس لديه ضمير أو قد تبنج ضميره أو تليف ضميره! من أين سيأتي له هذا الإحساس؟ الضمير سينهاه أصلاً عن هذه الفعلة.
أما إذا كان لديه ضمير، ومن ثم تورط لأن الشيطان قد بث له بعض الأفكار لعله يستفيق ويعود إلى رشده، لكن من تلف ضميره وفقد الوازع الأخلاقي في تقييم سلوكه هذا لن يشعر بوخز الضمير".
ويدعو د. الشاعر إلى معالجة إيمان الإنسان وتصحيح أفكاره، فالخيانة هي خيانة سواء عن طريق الشبكة العنكبوتية أو عن طريق اللقاءات الشخصية أو الجوال، أو أي شكل لكنها تأخذ أشكال وأوجه متعددة، قد تكون ميسرة أكثر، أن يتعلم كيف يلجأ إلى الله عز وجل على نظرية {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] .
---------------
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى